قعيد أحيا أمة
أيها المسلمون : يقول المولى جل وعلا في محكم التنزيل (الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون) عظم الله أجركم وأحسن عزائكم وجبر مصابنا ومصابكم ، فإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولاقوة إلا بالله له الحكم وإليه يرجعون ، الحمدلله كما يحب ربنا ويرضى ، له الحكمة البالغة ، والقدرة النافذة والرحمة الواسعة سبحانه وتعالى عما يصفه الواصفون وينعته الناعتون ، فجعت الأمة بمصاب جلل فجعت بفقد عظيم من عظمائها في وقت قل فيه العظماء ، فجعت ببطل من أبطالها في وقت قل فيه الأبطال ، فجعت برمز من رموز العز والشجاعة والإباء في وقت الذل والهوان ، إنه المجاهد البطل الشجاع نسأل الله أن يتقبله في الشهداء إنه الشيخ أحمد ياسين .
أيها المؤمنون :أحمد يا سين يتجاوز اسمه قصة الشخص إلى رمز لموقف، ولآمال أمة، ولحركة مقاومة، ولهموم الملايين من المسلمين ، بل هو رمز لتطلعات وآمال أجيال الأمة القادمة ، سيبقى رمزاً للعزة ، ورفضِ الخنوع والذل ولو كان مقعدا ولو كان فقيرا ولو كان يتيما ولو كان مُحَارباً مُحاصَرا مُسْتَهدَفاً ، لقد تحدى وتجاوز كل هذه العقبات ، ياشباب الأمة وشيوخها لكم في أحمد ياسين أعظم عبرة ماذا تقول ياذا الحسم والصحة ، ياذا المنصب والجاه ، ياذا المال الوفير ، ياذا العقل الخطير ،أيها المعلم أيها المربي أيها الأب أحمد ياسين قدوة لكل الأجيال فلا عذر لنا،
ان في النفس مشاعر تعجز الكلمات ان تسطرها على مداد الورق ، لان مداد الورق الابيض يتقاصر حين يرى مداد الارض الحمراء التي تعطرت بدم الشيخ القعيد ، فيحس بالبون شاسعا بين من يبذل الكلام على مداد ابيض ، وبين من يبذله أحمر قانيا على ارض الفداء .. لقد أُحرجنا وتصبب العرق من جبيننا ونحن نقرأ سيرة هذا البطل : عاش يتيما مقعداً مطارداً اعتقل عدة مرات حاول اليهود اغتياله أكثر من مرة ، كل هذا لم يثنه عن إنجازاته العظيمة لقد كان إرادة عظيمة وحقق ما لم تحققه الدول من الإنجازات ، كان خطيبا مفوها يلهب الجماهير الحماس ، وقد أسس حركة مقاومة مع بعض أقرانه من أبناء العمل الإسلامي في غزة أسماها حركة المقاومة الإسلامية المعروفة بحماس ، وكان يعاني من أمراض شتى في أواخر عمره مثل التهاب أذنه وفي رئته وكان لايبصر بعينه اليمنى وضعيف البصر بالعين اليسرى.وقبل أيام كانت الجريمة العظمي والمصيبة الكبرى حينما أقدمت طائرات الأباتشي الإسرائيلية بإشراف المجرم شارون على اغتيال البطل
هم أكسبوكَ من السِّباقِ رِهانا *** فربحتَ أنتَ وأدركوا الخسرانا
هم أوصلوك إلى مُنَاكَ بغدرهم *** فأذقتهم فوق الهوانِ هَوانا
إني لأرجو أن تكون بنارهم *** لما رموك بها، بلغتَ جِنانا
غدروا بشيبتك الكريمة جَهْرةً *** أَبشرْ فقد أورثتَهم خذلانا
ووضعت جبهتك الكريمةَ ساجداً *** إنَّ السجود ليرفع الإنسانا
وخرجتَ يَتْبَعُكَ الأحبَّة، ما دروا *** أنَّ الفراقَ من الأحبةِ حانا
كرسيُّكَ المتحرِّك اختصر المدى *** وطوى بك الآفاقَ والأزمانا
يا أحمدُ الياســـــــــــــــــــــــين، إن ودَّعــتنا *** فلقد تركتَ الصــــــــــــــــــــــــــــدق والإيمانا
أيها المسلمون ولنا من شموخ المقعدين ، أعظم الدروس والعبر يمكن أن نوجزها فيما يلي :
الدرس الأول : طبيعة اليهود القائمة على الغدر والخيانة فهم جبناء لايستطيعون المواجهة ولكنهم من يطعنون في الخلف وعلى حين غرة فهي طبيعتهم المتأصلة التي لاتتغير مع تغير الأزمان والأماكن والأحوال فهم قتلة الأنبياء وخونة العهود والمواثيق وصدق الله إذ يقول(أوكلما عاهدوا عهدا نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون) ، والخيانة هي سمة الصهاينة من اليهود والنصارى وصهاينة النصارى مثلهم فهم يعملون مثل عملهم وأقبح ، فكم من عميل صنعته أمريكا ثم غدرت به كما صنعت أخيرا مع صدام ومع بعض من والاها من الجهلة الأغبياء ، ثم هي الآن تهددهم وتتوعدهم وتريد الفتك بهم فهذا طبعهم فهم العدو فاحذرهم وليتذكر من ولاهم الله أمر المسلمين قول ربهم (لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ) .
الدرس الثاني :الشيخ اعطى اعظم الدروس لكل القاعدين وليس المقعدين:
أحمد ياسين تتجلى فيه همة الرجل، رغم أنه مقعد مشلول، له كل عذر أن يسكت وينعزل، ويهرب من مواجهة الظلم والبغي، ولكن كانت له إرادة كالجبال، إرادة فقدها أولئك الذين يمكنهم أن يتحلوا بكل السمات والمزايا، أصحاء أغنياء آمنون مترفون متنفذون، ولكن نقصتهم همة الرجال. كان أولى بهم أن يستمعوا دائما لخطبة علي رضي الله عنه يخاطب هذا الجنس دائما: "أشباه الرجال ولا رجال، وطغام الأحلام وعقول ربات الحجال"، لقد رسم الطريق، ووضع المعالم، وأحرج الجميع، أحرج العجزة القعدة مشلولي الكرامة، صحاح الأجسام عليلي الهمم. رحمك الله فقد لا يملك كثير من القعدة المشلولين إلا أن يقولوا رحمك الله، ونصر قضيتك.
أيها المسلمون: إن مقتل الشيخ رحمه الله يعطي دلالة على ان ( القوة ) المادية ليست وحدها هي التي تؤثر في العدو ، فأي قوة يحملها ذلك الشيخ الكسير المقعد الذي لا يحرك الا رأسه ورقبته ، بينما لا يستطيع تحريك اطرافه كلها ، ومع ذلك فقد شكل لليهود عبئا كبيرا .
الدرس الثالث :أصل التفوق والنجاح بالإيمان الذي في القلب والتوكل على الله وعدم الخوف من غيره والاعتقاد أنه سبحانه مدبر الكون .الشيخ لم يكن طالب دنيا ولو أراد لأتته الدنيا بين يديه فقد عرضت على الحركة وعليه المغريات ،والتهديدات باستمرار لكن الشيخ البطل كان يعيش لهدف وغاية لا يدركها عباد الدنيا و صرعى الشهوات ، وصدق الله إذيقول (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولافسادا والعاقبة للمتقين )
الدرس الرابع: الشيخ عرف سر النصر والعزة الحقيقية وطريقها عنده واضحا ولذلك ثبت عليه فحقق مكاسب ضخمة ألا وهو طريق الجهاد ولم يبغ عنه بديلا ،فالجهاد كما أخبر النبي (أنه ماض إلى يوم القيامة )، (وأنه لاتزال طائفة من أمة محمد على الحق ظاهرين لايضرهم من خذلهم ولا من خالفهم إلى قيام الساعة ) فيا أمة محمد إن أردت النصر فربي أبناءك صغارا وكبارا على الجهاد وعلى معاني الجهاد فهو طريق العزة والنصر ،فشعب فلسطين عاش في ذل واستعباد وتشريد لم يعرف طريق العزة والنصر إلا لما عاد إلى الله وأعلن راية الجهاد ضد المحتل الغاصب الغاشم، لم يحقق كفاية ذاتية مسلحة ولم يحتج لغيره إلا لما غرس معاني الجهاد في قلوب ابناءه ياامة الإسلام إن الطريق الصحيح ليس في محاربة معاني الجهاد وقتلها من نفوس أبناءنا وإغراقهم في الملهيات والملذات لابد أن تكون الأمة على أهبة الاستعداد حتى لايحل بنا ماحل بغيرنا .،إن هذا الحدث ليوقظنا من غفلتنا وانغماسنا في دنيانا ، وصدق الله إذ يقول(إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )
الدرس الخامس : لقد اسس الشيخ الحركة المباركة على أساس متين من التقوى :الجهاد طريقها، وإرجاع الناس إلىدين الله منهجها ، والاستمرار في المقاومة وتطوير أساليب المواجهة سبيلها ، لقد استفادت الحركة من التاريخ فالتاريخ يقص لنا أن حركات التحرر والمقاومة حتى غير الإسلاميةحينما تثبت على مبادئها يضطر العدو الظالم المحتل الذي نهب الحقوق أن يفاوضها ويطلب ودها ، ويوما ما قادم لا محالة سوف تجلس العصابات الصهيونية الإرهابية تطالب بالسلامة والعفو وتوقع نصوص الاعتذار لشعب شامخ عزيز نهبت أرضه، واغتيلت قياداته.
ومن المكاسب التي حققتها حركة الشيخ أنها استطاعت تحييد السلاح النووي الذي كان يخيف كل المنطقة فقدم للدول الإسلامية أعظم مساعدة لا يحلمون بها ، فأسرائيل تخوض مع المقاومة وليس مع جيوش دولية ولا مع السلطة الفلسطينية تخوض حرب استنزاف شرسة كبدتها المليارات ، وخسائر فادحة في الأرواح ،فانشغلت بالمقاومة عن التفرغ لدول الجوار ،ولم يعد الحديث في الشارع الاسرائيلي عن الدولة اليهودية الكبرى من النيل إلى الفرات ، بل الحديث الآن متى سوف تسقط إسرائيل،فاسرائيل لم تستخدم سلاحها التي خسرت عليه مع الأم الحنون أمريكا المليارات وصدق الله إذ يقول (فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرة ثم يغلبون والذين كفروا إلى جههم يحشرون ).
من المكاسب التي حققتها حماس أنها جعلت كافة شرائح الشعب الفلسطيني شعبا مجاهدا ابيا فلم تعد العمليات الاستشهادية مقتصرة على الشباب بل تعدى ذلك إلىالفتيات اللاتي في عمر الزهور ، الأطفال يحملون الحجارة ، الأمهات يحرضن الشباب ، الكل يجاهد فلله دركم يا أبناء أحمد ياسين ولله دركم يا أبناء المقاومة الإسلامية.
أما مكاسب حماس فلا تكفيها خطبة ولا خطبتان إن حماس قدمت مشروعاً ضخماً للأمة لم تستطع كل الدول العربية مجتمعة على أن يأتوا بمثله (فإذا كانت النفوس كبارا تعبت في مرادها الأجسام).
الدرس السابع :لقد كان أحمد ياسين قدوة بحق في كل المجالات مع كبر سنة ومرضه وتهديد العدو له ،فهو لم يجد لنفسه عذرا أن يتخلف عن صلاة الجماعة،فذهب مع أنه مريض ومقعد ومهدد بالقتل ، فإلى المسرفين على أنفسهم بالمعاصي إلى كل من فرط في جنب الله أما آن لنا أن نتوب أما آن لنا أن نرجع ونعمل لديننا ولنصر أمتنا فاللهم استر عيوبنا وارحم ضعفنا وتقصيرنا .
الدرس الثامن:أن هذا العمل الذي قام به شارون هو من أعظم الأدلة على فشله وفشل دولته اللقيطة ، وإلا أي مكسب في شيخ قارب السبعين هده المرض وأهله ينتظرون موته خلال أيام ، ولكن رحمة الله به ومحبته له رفع درجته وأكرمه بالشهاده وفضح عدوه الذي كان يتستر على فشله واسمع إلى شاهد من اليهود أنفسهم :يقول زعيم الجاليه اليهودية في المغرب :"إن اغتيال الشيخ ليس نجاحا وإنما هو تعبير عن فشل شارون في ضمان أمن إسرائيل.
هذا الحدث - مقتل الشيخ أحمد ياسين - يرسم معلماً جديداً في مسيرة الصراع ، وقد تشهد الأيام القادمة تحولات أساسية فيهما على مستوى الأمة وعلى مستوى الجبهة الإسرائيلية خصوصاً .
فالرعب الذي اجتاح الجبهة اليهودية من احتمالات الانتقام سيؤدي إلى اتساع شقة الخلاف بين اليهود العلمانيين واليهود الصهاينة المتدينين، أو بين ما يسمى معسكر السلام ومعسكر العنف والاستئصال، كما سيؤدي إلى زيادة الهجرة الارتدادية من الكيان الصهيوني، فضلاً عن ازدياد عزلة إسرائيل وتنامي الكراهية لها في العالم .
ثانياً: بموت الشيخ سوف تحيا أجيال ، وسوف تنهض الأمة من كبوتها وتتعرف على طريق خلاصها ومن نظر في التاريخ سوف يجد أن العظماء عند موتهم تحيا الأمم وتعيش على ماتركوه من مبادئ سطروها بدمائهم لا بخطبهم وكلامهم فأعظم رجل عرفه التاريخ محمد فالأجيال من بعد موته إلى يومنا وهي تتربى على سيرته وسنته وصدق الله إذ يقول (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً) وهذا البطل الهمام أحمد ياسين سوف تحيا أجيال من بعده لتحقق أمنيته وتحرر أرض الأسراء وينتصر المسلمون بإذن الله ولله الأمر من قبل ومن بعد .
ثالثاً: يتوقع إلتهاب الحماس وكثرة القتل في أحفاد القردة والخنازير ويتوقع تدخل دولي تتزعمه أمريكا لأنقاد الوضع أو قل لأنقاذ اليهود ولو أدى لضرب جيوب المقاومة بالطائرات باسم القوات الدولية ، فإذا كان رد المقاومة على اغتيال يحيى عياش أحد القادة الميدانيين بأربع عمليات قتل فيها خمسون قردا من اليهود فما بالك باغتيال الزعيم المؤسس كيف يكون الرد ، لقد وقف شعر أجسادنا إجلالاً وهيبة لأولئك الأبطال الذين إذا قالوا فعلوا وإذا وعدوا وفوا لقد سمعنا هتافاتهم (خيبر خيبر يايهود جيش محمد سوف يعود ) ).
يا أحمدُ الياسين، إن ودَّعتنا *** فلقد تركتَ الصدق والإيمانا
أنا إنْ بكيتُ فإنما أبكي على *** مليارنا لمَّا غدوا قُطْعانا
أبكي على هذا الشَّتاتِ لأُمتي *** أبكي الخلافَ المُرَّ، والأضغانا
أبكي ولي أملٌ كبيرٌ أن أرى *** في أمتي مَنْ يكسر الأوثانا
يا فارسَ الكرسيِّ، وجهُكَ لم يكنْ *** إلاَّ ربيعاً بالهدى مُزدانا
في شعر لحيتك الكريمة صورةٌ *** للفجر حين يبشِّر الأكوانا
أخوكم / أبو مالك مشرف المنتدى الاسلامي بموقع عروس الشمال www.d0000.com
12/2/1425هـ
المفضلات