رثاء جزائري يصل للقلب من كاتبه جزائريه في فقيدنا طلال العبدالعزيز الرشيد (( رحمه الله )) نشر في مجلة فواصل العدد الاخير جميل في كل شي جميل في كلماته وفي خجله وفي كل تفاصيله. قرأته مرات ومرات حتى إقتنعت أنه صالح للنشر ((بكثره)) فاأحببت أن أشارككم الرثاء الجزائري.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا أدري متى تكون الفاجعة أكبر، هل حين نفقد عزيزاً نعرفه، أم حين نفقد عزيزاً، خانتنا الأيام لنعرفه؟
ولا أدري أيضاً متى تكون خسارتنا أكبر، هل حين نفقد عزيزاً نعرفه، أم حين نفقد رمزاً يُعرّف بنا؟
ولا أدري أيضاً متى تكون صدمتنا لا حدود لها، هل حين نخدع أوطاننا، أم حين تخدعنا هذه الأوطان؟
لا حدود لألمي وخجلي، حين عرفت أن شاعراً بنضارة طلال الرشيد، اغتاله رصاص جزائري في صحراء جزائرية كانت دائماً قبلة لفرح قلبه.
كيف لي أن أقدم التعازي لعائلته، وأصافحهم فرداً فرداً وأسأل لهم الصبر والسلوان في شاب لا يزال ربيعه مزهراً، وموسم عطائه في بدايته.
كيف لي أن أشرح لكم، أنه واحد من قافلة غادرت سابقاً، وأخذت معها تباعاً أكثر من ستين مثقفاً جزائرياً...
كيف لي أن أبوح بجزائريتي وقد أصبحت جزءاً من خجلي!.. لا لغة تقول ألمي... ولا لغة تقول أسفي على ما حدث... لقد رحل، وفضل أن يكون موته جرحاً غائراً في قلوبنا، أو قفصاً يحتجزنا، نحن غير المعنيين بما حدث سوى بحمل ألم رحيله هنا في فحوى القلب. إيه يا شاعري، أقول لك إنك في كفّة «الستين» الذين غادروا قبلك، وأننا كنا نفضل أن تعود إلى وطنك بغزلاننا لا أن تكون الغزلان سبباً في أن يعود بك وطننا في نعش. وأننا بكل موتانا الذين فاقوا الثلاثمائة ألف نفضّلك طيباً، بين ذويك، مُطلاً عبر «فاصلتك البيضاء،»على محبيك بنظرتك الهادئة وقلمك الرقيق. لعلك ستصدقني إن قلت لك اعتذاري، لعلك ستكون أكثر تسامحاً، أنت الذي تكتب الحبّ، وكأنك كائن من قاموسه، وتحول الورق إلى حلم جميل. لعلك ستفهم أيضاً، فجيعة ثلاثين مليون جزائري، وهم يقرأون خبر موتك، وستفهم أن الإرهاب مرة أخرى عرف أين يضرب. نحن المستهدفون منذ أكثر من ثلاث عشرة سنة، كثيراً ما صرخنا، وكثيراً ما قلنا، إن الإرهاب هذه المرة جاء بشكل مختلف.
من سمع أيها «الرشيد»؟
فنحن أبناء العالم الثالث، يعتبر الموت المفجع لدينا، جزءاً ضرورياً من حياتنا.
يا شاعر الحب...
الصحراء تعتذر... الرمال تعتذر... الغزلان تعتذر... السماء تعتذر... الجزائر كلها تعتذر.
القلوب منحنية أمامك في خجل...
الأقلام خاشعة في صلاة موجهة إليك.
الورق صامت.. الورق حزين...
فرقصة يدك لن تبارك حبهما شعراً، أنت القائل: «الورقة أنثى، والقلم ذكر، وإلا لماذا تكون الكلمات أطفالاً؟ فنحن نتعلم الكتابة وكأننا نشارك في حب اثنين..».
إني أعتذر، فهل تقبل اعتذاري يا شاعر الحب؟..
في عام 2001م.. طلب طلال الرشيد من أخيه زيد الحارثي الملحق العسكري بسفارة المملكة في الجزائر رقم حساب دعم العائلات المنكوبة في الفياضانات التي ضربت الجزائر حينذاك.. أرسل العميد زيد رقم الحساب مشكوراً.. وتبرع الفقيد بما جادت به نفسه لإخوانه في ذلك الوقت.. وبعد سنتين كانت روح الفقيد تصعد الى بارئهامن الصحراء الجزائرية..
رحم الله الفقيد وأسكنه فسيح
الكاتبة الجزائرية فضيلة الفاروق
المفضلات