أحيي أخي عبدالرحمن .. بادء ذي بدء .. وأود أن أبدي له الأحترام والتقدير .. المدموجين بالحب و الود .. وأن أخبره بأنه سيجد بعض التناقض فيما أبديه ..
أولا .. لنفرق بين الحديث السياسي و الحديث بالسياسه .
الحديث بالسياسه و الحديث في السياسه و أيضا الحديث ... عن السياسه , لها صنفان :
الأول , أن تكون منسلخا ومتجردا من السياسه ... طواعية وبكامل قواك العقليه , أو أنك من من زهدوا .. بهذا الأمر .. أو أن تكون من المبعدين والمغيبين عنها .. قسرا كان ذلك أم .. جبرا .. أو وكما هو الحكم على العامه .. الجهل بالأحكام مع عدم العلم والإلمام .. بالأساسيات والبديهيات السياسيه .. ثم تقوم بالتحدث عنها وكأنها أمر قابع أمامك , لاتنتمي اليه ولايمت اليك بأي صله , فتشير اليه منتقدا أو مؤيدا ... وربما متهكما .
وهذه لأعضاء المجتمع من أهل الحمل والكدح , أو وكما يقولون .. سياسة العامه , وأعني بهم نحن أصحاب الدخل المحدود وما دون المحدود .
فنحن نجهل أمورها , ولا نعي منها دقائقها عوضا عن صغائرها , فلا نفهم مصادر تقويمها أو توجيهها لندرك بذا .... الموارد والفوائد منها .
وقد قال العوام من الأعراب قديما .... الشيوخ أبخص , وقالوا ايضا .. كل وسكت .. بل قطعوا الأمر فقالوا .. الحاكم عالم .... و لا أدري هل كان ذلك بسبب إيمانهم بجهلهم بتلك الأمور .. أم هو من باب .. ضع المختص في محل إختصاصه ؟
إلا أن قولهم .. دمك لا يمليني ( أبعد شرك عني ) يجعلني أؤمن بأن الخوف كان وارد .... في ذلك الوقت
ولنا منهم أن نتبع الأثر .
هناك الصنف الآخر من الحديث في السياسه , وهو أن تنتحل صبغتها , وتتمكن من أمور ضبطها وقوانين صرفها , والمعنى من كل ذلك هو أن تكون في الداخل السياسي .. آمرا أو مرشدا , فلايخفاك منه المداخل والمخارج .
هذا النوع , لسنا طرفا فيه , ولا علاقة لنا بأهله .. لابالنسب ولا بالرضاع .
أما ما فرقنا بينه في سابق كلامنا .. وبين الحديث بالسياسه , وأعني الحديث السياسي .... فهو صفه كلاميه , يمتاز بها العاقل وذو الحكمه , وهو بمعنى .. الحديث المنمق أو المدروس وصاحبه يقال له أنه محنك وسياسي وذو نظره واسعه أو شامله , و هو إما أن يكون مكتسب أو قد يتأتى عن طريق .. الموهبه .
وهو واجب بل فرض واجب للإتيان به لمن كان بمستوى " مسيس " أو " سائس " أو ما دون ذلك بقليل ..
وهو أيضا وبنفس الحكم واجب على العامة من الناس , وإن تفاوت الأمر من شخص الى آخر ...
إلا أنه ليس كل من كانت له ملكة الحديث السياسي ... فعل سياسي !!
وأعني بذلك .. أن من حوى الحكم واستحكم شؤونه .... لا يستلزمه الفعل السياسي بقدر أن يكون له حديث سياسي , فليس مهما أن يكون عارفا بصغائر الأمور , وبتسييس الجمهور , لأن القيام بأمور الدوله وشؤون الحكم , يوكل عادة للمستشارين والمطلعين على الداخل والخارج .. ( وهم من وصفتهم .. بما دون ذلك بقليل ) .
فهذه الدائره يؤمها الخاصه من مستشاريه , وبهؤلاء .... يكون استصلاح البلد وانعاش اقتصاده وتوجيهه اتجاها يحفظ أمنه ويقوي من موقعه على المستوى الدولي , وبدون هؤلاء الخاصه , لايمكن للحاكم أن يقوم الأمر بنفسه .. وأقول .. لمن قال .. هل من الممكن أن لا يكون للولي حديث سياسي وأيضا فعل سياسي في نفس الوقت!!
نعم .. ولم لا !!
فقد تندر البعض في هذا عندما أجتمع الأمرين ( المفقودين ) في أحد السلاطين .
حيث صاح سائس المجتمع هذا .. بسائس خيله , فقال .... أحضر لي الحصان الأبيض !!
فقال له الوزير ... أيها السلطان , لاتقل الحصان الأبيض , بل قل الأشهب , حتى لا تتبدل هيبتك الى سخريه بين الناس .. ( لاحظ أن المستشار هو من اتخذ موقعه للتغطيه على النقص السياسي العملي والنظري ) .
بعد ذلك ... أحضر الطعام الى هذا السلطان , فقال لأحد خدمه ... قرب لي ذلك الصحن الأشهب !!
اجتياز الخطوط الحمراء .. هو وكما قال الشيخ عبدالله الواكد ... تطرف أو ربما يكون , تعدي على اختصاصات ذوي الشأن , إما لإثارة نقاشا عقيما مع هؤلاء أو لقصد اللمز فيهم والتجريح بهم .
وهؤلاء أصحاب اللمز والتجريح والتعدي والتقريح ... هم أكثر خطرا على العامه من صاحب الشأن وإن حاد ومال عن طريق الصواب .. ولنا في هؤلاء اللمازين والمقرحين بغير علم ..أمثله ..
فالتاريخ يذكر كيف أن سيدنا عثمان ابن عفان رضي الله عنه , قد تعرض و المسلمون في وقت خلافته لفتنة أدت لإستشهاده رضي الله عنه , وما كانت تلك الفتنه الا بتدخل الجهلاء من العامه من أهل مصر والعراق .. بالسياسه وبالشؤون الخاصه للخلافه .
كذلك سيدنا علي رضي الله عنه , فقد خرج عليه مجموعة من الجهلاء يسمون بالخوارج , حيث خالفوه لأمر كانوا يرونه أصوب وأقرب للشريعة من ما قد أقره ووافق عليه علي رضي الله عنه .
لكن هل السياسه محرمة على العامه ؟
إن كان السؤال عن السياسه كسياسه , فتصريف الأموال وتشغيلها و مسايرة الزوجه وإلهائها على قدر عقلها .. و تربية الأبناء وتقويم شؤونهم ... كل ذلك وغيره من الأمور الحياتيه , تحتاج الى سياسه .
أما ان كان المقصد بالتعاطي بالسياسه , هو سياسة الحكم , فهذا أمر ميسر للجميع , إن كان المبتغى من ذلك هو بلوغ الإئتلاف والوسطيه ... شريطة بقاء هذا الأمر دون الخطوط الحمراء , كما قال أخي الشيخ عبدالله الواكد .
ولكن ... يفترض الحرص والواقعيه .... عند الحديث عن بعض السياسات .. لبعض الدول .
فالمملكه العربيه السعوديه .. كمثال , تمتاز بأن نظام الحكم فيها يستمد من الشريعه , لفظا وواقع , فتلك السياسه الشرعيه والتي من شأنها أن تؤدي الى رقي المواطن والوطن .. لا أرى فتح المجال فيها ..
فإفساح المجال للعامه من الناس للخوض بتلك السياسه الشرعيه , تنقيصا أو تجريحا .. يعتبر تعدي على أمر سام وشرعي , ذلك لأن من هؤلاء العامه .. يكون العلمانيون والمبطلون لدينهم والباطل أصلا .. ما إرتضوه دينا , ومنهم أيضا من هو محسوب على الحضاره الغربيه وعلى التحرر .. فتعود الأيام لسابق ماضيها , لتعود معها أيام الخوارج ... يوم ذاك .
ما المبتغى والمحصله التي تراها من الخوض في أمور التسييس ؟
ما أتخيله أنا و ما أتمناه ( طبعا الأماني والتخيلات السياسيه هي متاحة للجميع حتى النائم منهم ) هو انهاء تلك الفرقه وهذا الإنقسام .... هو نبذ ذلك التنافر , ودحر دعاة العداء والخصام ..
العوده للحوار , والتصافي , العوده للتجمع .. للتلاحم .. و للتلاقي .. العوده لكل ما من شأنه أن ندحر به أعدائنا وأعداء الله ..
هذا ما أحلم به , وهذا ما أتمناه , هذا الذي نطلبه ونريده .. بل هذا الذي نطاول بسببه رقابنا , علنا نراه في مستقبلنا .. القريب .
فمن هناك .. ستتوقف الرهبه والجزع والخوف من المستقبل لدى نسائنا الثكلاوات في فلسطين , وسيبقى لديهن فقط .. النحيب والحزن والأسى , على عائل قد عُد .. هالك وعلى منزل قد .. تهالك
ومن هناك .. سيتخلص طفل الانتفاضه من حمل الحجاره , ومن رعب اللقاء الملحمي بين.. ذلك الطفل .. الهزيل .. والوحيد .. اليتيم .. والجائع .. وبين خنزير وابن خنزير وعدو وابن عدو ..
المفضلات