[ALIGN=center]
*
*
كتب ابو ريشة القصيدة الغنائية وجرب القصيدة الملحمية والمسرحية الغنائية ( الاوبريت) والشاعر في نظره رائد يقف في مقدمة بني قومه.
واصفا الذي يشرف به الشعر:
شاخص الطرف في رحاب الفضاء
فوق طود عالي المناكب ناء
يرقب الفجر والندى مالىء برديه
والشعر مائج في الهواء
اما في قصائده الغزلية وسواها
نجد اتساع الرقعة الرومنطقية في شخصيته, علاوة على الرمز والواقعية وسعة الخيال التي كانت تملأ شعره المليء بالحنين والرغبة والالم والفرح وهي شجون وفتون نجدها في قصيدته ( عودي ) عبر الحوار الطويل الذي يديره الشاعر بينه وبين حبيبته التي تبادره الى القول في مطلعها :
قالت مللتك, اذهب, فلست نادمة
على فراقك.. ان الحب ليس لنا
سقيتك المر من كأسي شفيت بها
حقدي عليك .. ومالي عن شقاك غنى
لكن يمضي وحيدا من غير عودة اليها فيقول
نسيت ما بي... هزتني فجاءتها
وفجرت من حناني كل ما كمنا
وصحت .. يا فتنتي! ما تفعلين
البرد يؤذيك عودي.. لن اعود انا
لقد احب ابو ريشة الطبيعة لحد التصوف وتوحد معها وراح يعبر من خلالها عن مشاعره, وهو يمنحها الحياة والقيمة- ولا يتخذها مجرد مادة للتصوير, بل هي حية متحركة-فيوظف الطبيعة في شعره ليرسم ثلاث لوحات للفجر والظهيرة والمساء, ويصور الكون في تحركه وتغيره, فيصور الفجر فيقول:
نهض الفجر مثقلا يتلوى
فوق صدر الطبيعة الخرساء
كما يصف الظهيرة التي تأتي لتعبر عن كسل ثقيل, فتضعف الحركة وتفتر :
هبط السهل والهجيرة تنقض
وتطوي مطارف الافياء
ويصف المساء الذي يبدو اكثر اثارة لما تعج به من الوان صاخبة وما تموج به من حركة فاجعة:
بلغ المنحنى فجاز مدى الطرف
بحس مفجع الانباء
الشاعر يعتمد على ثلاثة اساليب هي : القص والتصوير والمقارنة- لذلك نرى ان موقف الشاعر من الطبيعة في تعدده وتنوعه وغناه هو موقف اخلاقي يدل على طبيعة الحضارة العربية والثقافة الصوفية
الشاعر الراحل كان يقول:
( انا شاعر قصيدة, ولست شاعر بيت كما يتوهم العديد من النقاد . والقصيدة عندي وحدة لا تتجزأ , تعودت ان اختمها بما اطلقت عليه البيت المفاجأة).
ولعل قصيدة ( هكذا) تؤكد هذا الرأي وهذه القصيدة الشهيرة نظمها الشاعر عندما سمع ان احد رعايا المحميات البريطانية انفق في ليلة واحدة ستين الف دولار على عشيقته وجاء البيت المفاجأة بما لفظه :
هكذا تقتحم القدس على
غاصبيها ! هكذا تسترجع
والحق يقال... فإن شاعرنا الراحل كان معتدا بنفسه , ولم يكن ذلك ينبعث عن صلف وغرور , وانما عن قناعة شخصيته تجعله متميزا بين شعراء عصره, فهو لم يهادن الظلم ولم يصمت على ضيم , ولم يسع الى مكاسب شخصية سريعة الزوال .. كان متباهيا بما تجود به قريحته في اصطياد المعاني المبتكرة, مع الحرص الشديد على النغم العذب, واللحن الشجي المنبثق من اللفظة المنتقاة, والعبارة الرشيقة التي تبهر نفس
المستمع :
لنا الحب والكأس والمزهر
وللناس منا الصدى المسكر
مشينا معاً وجناح الرضا
يواكبنا ظله الخير
وخلف ملاعبنا انجم
على شوق اوبتنا تسهر
هذه الاحاسيس الصادقة,وهذه الانغام الناطقة المتسربلة بالنضارة اللغوية في ابهى صورها الفنية, جعلت عشاق شعره الكثر, يترنحون اعجابا ونشوة,كلما استعادوا اشعاره الذاتية, الصادرة عن قيثارة خلوده, تعد بحق من بدائع وروائع الشعر الغنائي المعاصر , حيث تهمسها الشفاه الظامئة للجمال , وللحنان البشري, للآذان المتلهفة الى سماع الشعر الخالد في دنيا العرب, في زمن كادت تتحجر فيه الاحاسيس الدافئة والمشاعر العليا .
*
*
[/ALIGN]