عن القناعة . . . سألوني.. !!؟
by
, 18-02-2010 at 23:39 (6205 المشاهدات)
حدثني من أثق به كثيراً قال بأنه يشعر في حالة تحول الناس إلى شئ آخر غير أنفسهم..
وبأن أحوالهم وأمورهم تغيرت مع تغيّر كل شئ حولهم..
ففي ما مضى كانت القناعة لديهم هي من أكثر الأشياء وجوداً في حياتهم..
تجدها في مأكلهم ومشربهم ومسكنهم وملبسهم ومركبهم..
أما اليوم لم يعد لها وجوداً وأصبحوا ينظرون إلى ما في أيدي وأفواه غيرهم..
ونسوا النعم التي أنعم بها الله عليهم..
فأفدني بربك كيف أخذت القناعة حوائجها ورحلت بعيداً عن عالمنا.. !! ؟
قلت : الناس قديماً لم يكونوا قط في حالٍ من الأحوال بهذه الصوره وبهذا الجشع والطمع..
كانوا أكثر رضى وأكثر اقتناع بالأشياء التي تطوف على حياتهم.. تجد الكل قانع بما لديه ويجد الكثير منهم
بأن القليل بقناعته وفيراً يكفيه جميع أيام حياته.. وأنه أغنى الأغنياء فما لديه يشعره بغناة نفسه
ويشعره برضى طموحه وأحلامه.. فلا يختار أحلاماً وطموحاً أكبر من قدراته.. لهذا تجدهم قديماً يكتفون بما لديهم
لأنهم يشعرون بإمتلاكهم لإشيائهم.. وما ليس لهم فهو ملك لغيرهم..
حتى وصل بهم الأمر في هذا العصر ما وصل.. فتجد أحدهم الآن يصارع العيش ويغالبه ويزاحم ما حوله في تملك كل شئ..
ولا يكفيه إلآ الكثير وكلما حصل على شئ كلما وجد في نفسه رغبة أخرى للحصول على شئ آخر أكبر
حتى لو كان حق من حقوق غيره.. فأنه يحاول بشتى الطرق للحصول عليه..
فكل ما يهمه أن يمتلك الكثير حتى لو فقد في ذلك ضميره وذاته ونفسه
فأنه يرى في المال القيمة الحقيقية ويستطيع من خلاله شراء ضمير آخر وذات آخرى وحياة غير حياته..
لهذا أرى أن كلما تراجعت إمكانيات الإنسان الداخلية والفكرية والوجدانية كلما أزدادت
نظرته للأشياء الخارجية نظرت طامع وجاشع يحب أمتلاك كل شئ حوله..
فهؤلاء يا عزيزي لم يذوقوا مرارة العيش الحقيقية..
ولم يشاهدوا بأعينهم أنّات المتألمين.. ولا زفرات المتوجعين ولم يشاركوا غيرهم في همومهم وآلامهم..
ولم تنمو في نفوسهم عاطفة العطف ولا الرحمة والرفق على الفقراء..
فهذه الأشياء وحرمانهم منها كفيلة بأن تغيّر أحوالهم وتحرمهم من كل فضيلة من فضائل النفس
فلا ينظرون إلى شئ من الحياة إلآ إلى لذائذهم ومشتهياتهم.. ولم يقاسوا العذاب الذي يقاسي منه الفقير في جوعه
ولا المحروم في حرمانه..
فالمجتمع اليوم مجتمع حرب لا يرحم أحد أحداً منهم.. يتسارعون ويتصادمون مع بعضهم.. ولا يرون ما تحت أقدامهم
فيأخذون حقوق غيرهم فوق حقوقهم.. لأنهم في داخلهم يعتقدون إعتقاداً جازماً
بأنهم كلما حصلوا على شئ كلما أرتفع شأنهم وعلية مكانتهم..
ومع هذا كله يا صديقي مازال هناك بيننا بشراً مازال الخير يتنفس في أعماقهم ويرون أن الحياة ما هي إلآ رسالة
فلا يعطون شيئاً إلآ من أجل كرم نفوسهم وصفاء قلوبهم.. ولا يأخذون شيئاً من الحياة إلآ ما يكفيهم ويغطي حاجاتهم..
فلو علم الناس أن ضرر وخطورة الغنى أكبر من خطورة الفقر لتسارعوا إلى فقرهم وإلى بساطتهم..
فالكثير من أبناء الأغنياء فاشلون وساقطة أمورهم.. وأبناء الفقراء أكثرهم يديرون الكثير من الشؤون وناجحة أمورهم..
فيجب أن نخاف على أبناءنا من الغنى أكثر من خوفنا عليهم من الفقر..
فالغنى قد يكسوا أجسادنا ولكنه قد يفقدنا الكثير من نفوسنا..
لهذا كيف بربك أن تبقى القناعة على قناعتها وحقيقتها وبيننا بشراً يأخذون أكثر مما يجب أن يأخذوا..
ويسلبون حقوق غيرهم.. فجديراً بها أن ترحل بعدما شعرت بغربتها بيننا..